التدابير الوقائية الملزمة لمكافحة الفساد في مصر
ما لا شك فيه أن الخطوة الأولى لمعالجة الفساد تتمثل بإجراءات وقائية تحد من انتشاره وتعزز الشفافية والنزاهة والمساءلة باعتبار إن الرقابة خير من العلاج، ويلاحظ تميز اتفاقية الأمم المتحدة بتضمينها التدابير المطلوبة وشموليتها أو غير ذلك، وقد خصصت هذه التدابير، وهي تشتمل على سياسات وقائية نموذجية، مثل إنشاء هيئات لمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية لضمانات تكفل تعزيز الكفاءة والشفافية والتوظيف استناداً إلى الجدارة. كما ينبغي أن يخضع الموظفون العموميين عند تعيينهم لمدونات قواعد سلوك، وبحيث يكشفوا مقتنياتهم المالية وغيرها، وتطلب التدابير أعلاه من الدول إيجاد آليات يتم من خلالها استعراض المعاملات المشبوهة وتبادل المعلومات، ويجب تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة عن المال العام والاهتمام بوجه خاص بالمشتريات العمومية، وتدعو هذه التدابير الدول إلى تشجيع مشاركة المنظمات غير الحكومية، ونشر الوعي بمخاطر الفساد.
وإجمالاً يمكن تصنيف هذه التدابير الوقائية وفقا لالتزامات الدول الأطراف إلى سبع مستويات رئيسية وذلك على النحو التالي:
أولاً : مستوى وضع السياسات وتحديد الإجراءات، بما يكفل سياسة وقائية في محاربة الفساد، إذ تلتزم الدول الأطراف، بوضع وتنفيذ وترسيخ سياسات فاعلة منسقة لمحاربة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة (م. 5/1) كما تلتزم الدول الأطراف بالسعي إلى إرساء وترويج ممارسات فاعلة تستهدف منع الفساد (م. 5/2)
ولضمان فاعلية التدابير الوقائية، تلتزم الدول الأطراف بإجراء تقييم دوري للتشريعات القانونية الوطنية والتدابير الإدارية ذات الصلة لتقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته (م.5/3) كما تلتزم الدول بالتعاون فيما بينها ومع المنظمات الدولية والإقليمية من اجل تعزيز وتطوير التدابير الوقائية.
ثانياً: مستوى إيجاد وتدعيم آليات وقائية لمكافحة الفساد، حيث تلتزم بإيجاد هيئة أو هيئات متخصصة في منع ومكافحة الفساد وبكافة الوسائل المشروعة مثل تلك المنصوص عليها في المادة (5) أعلاه، وكذلك من خلال زيادة الوعي بمخاطر الفساد (م.6/1) وتلتزم الدول الأطراف بمنح الهيئات المتخصصة في مكافحة الفساد ما يلزمها للقيام بعملها من استقلالية ويجب أن توفر لها احتياجاتها من الموارد المادية والموظفين والتدريب وغير ذلك (م.6/2).
ثالثاً: مستوى التدابير الوقائية الخاصة بمنع الفساد في القطاع العام، فقد ميزت الاتفاقية بين طائفتين، تحل الأولى الموظفين العموميين المعينين في القطاع العام؛ وتشمل الثانية المناصب العمومية التي يتم شغلها بالانتخاب.
فبالنسبة للطائفة الأولى تلزم الاتفاقية الدول الأطراف تهيئة المناخ والظروف المناسبة لمنع الفساد بين أفراد هذه الفئة وذلك من خلال المحاور التالية:
أ. أن يكون التوظيف والترقية بناء على الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية مثل الجدارة والإنصاف والأهلية (م. 7/1/أ)
ب. تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة (م. 7/1/جـ).
ج. وضع برامج توعية للموظفين العموميين لتمكينهم من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف لوظيفتهم، وتوعيتهم كذلك بمخاطر ومظاهر الفساد فيما يتعلق بوظائفهم )م.7/1/ (ب، د)) .
د. سعي الدول الأطراف إلى اتخاذ ما يلزم من نظم وتدابير تعمل على تعزيز النزاهة والأمانة بين موظفيها العموميين مثل:
1 . وضع مدونات أو معايير لسلوك الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف الحكومية (م. 8/2) .
- 2. إرساء تدابير ونُظم تيسر قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد التي يعلمون بحدوثها (م. 8/4).
- 3. وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بالإفصاح عن كل ما من شأنه أن يُفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين (م. 8/5).
أما بالنسبة للطائفة الثانية وهم الذين يشغلون الوظائف العامة عن طريق الانتخابات، إذ يجب على الدول الأطراف أن تضع معايير واضحة وسليمة تنظم الترشيح للمناصب العمومية وانتخاب من سيشغلها (م.7/2) . ويجب على هذه الدول أيضا أن تتخذ ما يلزم من تدابير وأن تضع ما يلزم من أنظمة لتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية (م.7/3) .
إضافة إلى ما ورد أعلاه فإن الدول الأطراف تلتزم بالعمل على إنشاء نظم للمشتريات العامة تقوم على الشفافية والتنافس(م.9/1).
كما تلزم المادة 9/2 الدول الأطراف باتخاذ تدابير مناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العمومية، وتشمل هذه التدابير بعض الأمور أهمها: إجراءات لاعتماد الميزانية الوطنية، والإبلاغ عن الإيرادات والنفقات في حينها؛ و وضع نظم تتضمن معايير للمحاسبة ومراجعة الحسابات وما يتصل بذلك من رقابة، وتنص المادة 9/3على ضرورة قيام الدول الأطراف باتخاذ نظم فاعلة للمحافظة على سلامة دفاتر المحاسبة أو السجلات أو البيانات المالية أو المستندات الأخرى ذات الصلة بالنفقات والإيرادات العمومية لمنع تزوير تلك المستندات.
كما تتضمن التدابير الوقائية الخاصة بمنع الفساد، بعض التدابير الخاصة بضرورة ضمان مشاركة المجتمع في هذه المكافحة، ويتحقق ذلك عملاً وفقا لنصوص الاتفاقية بالتزام الدول الأطراف بمراعاة أسلوبين رئيسيين:
الأسلوب الأول: يتمثل حسب تعبير المادة 10 من الاتفاقية في "إبلاغ الناس" حيث يتعين على الدول الأطراف أن تعتمد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، وعن القرارات والتشريعات القانونية التي تهم عامة الناس، مع ايلاء الأهمية الواجبة لصون حرمتهم وبياناتهم الشخصية، آما يتعين على الدول الأطراف تبسيط الإجراءات الإدارية لتيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة التي تتخذ القرارات؛ وكذا نشر معلومات يمكن أن تضم تقارير دورية عن مخاطر الفساد في إدارتها العمومية.
الأسلوب الثاني: ويتمثل حسب نص المادة 13 من الاتفاقية في ضمان مشاركة المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر، وينبغي تدعيم هذه المشاركة بتدابير مثل:
أ. تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها؛
ب. أن تيسر حصول الناس فعليا على المعلومات؛
- 1. القيام بأنشطة إعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد، وكذلك برامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية؛
- 2. احترام وتعزيز وحماية حرية التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها.
- 3. اتخاذ التدابير المناسبة لضمان تعريف الناس بهيئات مكافحة الفساد، وأن توفر لهم، حسب الاقتضاء، سبل الاتصال بتلك الهيئات لكي يبلغوها، بما في ذلك دون بيان هويتهم، عن أي حوادث قد يرى أنها تشكل فعلا مجرما وفقا لهذه الاتفاقية.
أما المستوى الخامس من التدابير الوقائية بمنع الفساد والتي نصت عليها المادة 11 من الاتفاقية فيتعلق ب "الجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة"، وذلك نظرا لأهمية استقلالية القضاء وما له من دور حاسم في مكافحة الفساد، حيث يجب على آل دولة طرف، أن تتخذ التدابير اللازمة لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي، ونفس الأمر بالنسبة لجهاز النيابة العامة.