ندوة "الرقابة المالية في الأقطار العربية"
"الرقابة المالية في الأقطار العربية" هو عنوان الندوة التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد في بيروت يومي 23 و 24 نيسان / آبريل 2009 .وقد شارك في هذه الندوة مجموعة كبيرة من الشخصيات العربية من مفكرين وباحثين و ناشطين ومهتمين بالشأن العام من عدة أقطار عربية، إضافة إلى عدد من خبراء الإقتصاد والقانون وممن يتبوأون مسؤوليات إدارية وتشريعية وقضائية في هذه الأقطار. ذلك إن الهدف الأساس لهذه الندوة كان قياس فاعلية نظم المتابعة المالية وآليات الرقابة المتبعة حالياً من قبل أجهزة الدولة المكلفة بالنشاط الرقابي على الإنفاق الحكومي سواء من خلال الرقابة التشريعية، والرقابة القضائية، والرقابة المالية التي تمارسها أحهزة الرقابة المالية، وأيضاً الرقابة الشعبية التي تمارسها هيئات المجتمع المدني بما في ذلك الإعلام والصحافة.
وقد أرادت المنظمة العربية لمكافحة الفساد من خلال هذه الندوة الوصول إلى بلورة مقترحات واقعية تتعلق بالسياسات والتشريعات والوسائل الواجب إتباعها لتحسين كفاءة أداء هذه الأجهزة وضمان استقلاليتها .انطلاقاً من قناعتها الراسخة في إن تحسين كفاءة الأداء والرقابة المالية على الإنفاق الحكومي يؤدي من جهة الى الحد من هدر الموارد المالية للدولة، ومن جهة أخرى الى تحسين العلاقة بين المواطن والسلطة فيما يتعلق بالخدمات المالية المتوجبة على الدولة تجاه المواطن. كما يؤدي أيضاً إلى ترشيد عملية الرقابة البرلمانية على أداء أجهزة الرقابة المالية، و محاولة ضمان استقلال أجهزة الرقابة و ضمان حياديتها، وهي جميعها تقع في ضمن اهتمامات المنظمة ومستهدفاتها.
توصيات الندوة
ومن خلال أوراق البحث المقدمة وما تلاها من تعقيبات ومناقشات عامة تمكنت فعاليات الندوة من تحديد مجموعة من المنطلقات كمقترحات عملية واضحة لإصلاح وتحسين أنظمة الرقابة المالية في الأقطار العربية والتي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة فاعليتها المؤسسية و التشريعية والتنظيمية و بما فيها تحسين أداء الموارد البشرية المولجة بإدارة أجهزة الرقابة المالية.
أولا: في الإطار العام
- تطوير آليات التعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة المكلفة بالرقابة المالية وتحسين البيئة المحيطة بها كالمحيط السياسي والإداري والثقافي الذي يؤثر سلبا أو إيجابا على العمل الرقابي. والمقصود بذلك المزيد من الشفافية في تدبير الأموال العامة وتعميك ثقافة المسائلة والمحاسبة واعتماد تدابير صارمة لمكافحة الفساد على كافة المستويات.
- إصلاح قوانين الأجور من أجل تأمين مداخيل كافية لحياة كريمة لدى المواطنين وتحييد حوافز الفساد ،كما إن إصلاح الأجور من شانه ايضاَ تحفيز استقدام واستخدام الكفاءات والنخب للعمل في أجهزة الرقابة المالية.
- خلق أو تفعيل الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد و إلغاء تبعيتها بشكل قاطع عن السلطة التنفيذية لناحية استقلالية هذه الأجهزة وإعطاءها الحق المطلق في النفاذ لكل المعلومات المتعلقة بالمال العام والتصرفات بشأنه، على أن يقدم قضايا الفساد التي يضبطها إلى القضاء والرأي العام مباشرة.
- تحفيز الحكومات العربية على كشف المعلومات للمواطنين ونشر ثقافة الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالإنفاق والواردات لناحية الشفافية وتمكين القوى الفاعلة في المجتمع من أداء دورها الرقابي.
- إعادة تقييم كاملة وشاملة للعلاقات بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية لإصلاح الخلل غير الديموقراطي المتمثل في هيمنة وتغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية.وهذا الأمر يتطلب إصلاح سياسي يهدف إلى تعزيز استقلالية السلطات الثلاث المنصوص عنها في الدساتير خاصة استقلالية السلطة القضائية والتشريعية والهيئات الإدارية عن الهيمنة السياسية من قبل القوى النافذة في الدولة بما يؤدي إلى إقامة الحكم الصالح (أو الحوكمة) في أقطارنا العربية.فالتدخّل السياسي على أرض الواقع يؤدي إلى تعطيل فعّالية الإدراة في تنفيذ مهامها الرقابية كما من شانه أن يعطل فاعلية الرقابة القضائية والبرلمانية على حدِ سواء.
- تحسين وتأهيل الإطار القانوني للرقابة المالية على نحو تتجاوز النواقص والاكراهات المرتبطة بمختلف النصوص القانونية المنظمة لمجال وأدوات عمل الهيئات الرقابية.
- نشر الوعي الرقابي، وتعزيز الشفافية والنزاهة وثقافة المساءلة والمحاسبة وفتح المجال أمام حرية الصحافة والخطابة.
- تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في متابعة القضايا المالية والرقابية وإتاحة البيانات والمعلومات المالية لأوسع شريحة من المواطنين وتقبل الآراء التي قد تطرح والعناية بها وأخذها مأخذ الجد. واعتماد مبدأ المساءلة الشعبية في الأمور والقضايا التي لها مساس مباشر بحياة المواطن والمجتمع.
ثانياً : في الرقابة المالية
- ضمان استقلالية أجهزة الرقابة المالية بالنسبة لهيئات الرقابة الداخلية للدولة، ومن الضروري فك الارتباط الإداري بين دوائر التفتيش والرقابة المالية وبين السلطة التنفيذية بالإضافة إلى إيجاد التشريعات التي تحفظ لهذه الهيئات حرية المبادرة والتصرف والتدخل كلما لزم الأمر.
- إيلاء تقارير أجهزة الرقابة المالية الاهتمام والعناية اللازمين من قبل السلطات العمومية، والسهر على تنفيذ توصياتها والعمل على تلافي جميع المخالفات والتجاوزات التي تنبه إليها؛ عدم اقتصار أجهزة الرقابة على اكتشاف المخالفات والمعوقات وتسجيلها ، وإنما الاعتناء أيضا باقتراح سبل ووسائل الإصلاح.
- إيجاد صيغ تضمن رد الدوائر والمؤسسات الحكومية على استفسارات أجهزة الرقابة وتقديم الحسابات لها، واعتبار عدم الرد أو تقديم الحسابات أو المماطلة أو التأخر في ذلك من المخالفات التي تستوجب المسؤولية القانونية والقضائية والجزائية.
- تحسين وتطوير الكفاءات البشرية والمادية في كافة أجهزة الرقابة سواء كانت في المحاكم المالية أو في أجهزة الإدارة أو في البرلمان.
- وضع النصوص القانونية الصريحة والواضحة التي من شأنها أن تغير الواقع الإداري والتنظيمي القائم حيث يخضع المسؤولون الإداريون للهيمنة السياسية للوزراء والنافذين السياسيين في الدولة. فالتعيينات والترقيات والمكافاءات والعقوبات يجب أن تكون بموجب القوانين والأنظمة المرعية الإجراء بمنأى عن المزاج السياسي وذهنية المحاسيب والتنفيعات.
ثالثاً : في الرقابة البرلمانية
- تفعيل دور مجلس النواب في مجال الرقابة المالية وتعزيز استقلاليته ، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إجراءات جذرية تتعلق في بعضها بطبيعة القانون الانتخابي الذي يجب أن يؤمن نزاهة الانتخابات النيابية بما يتيح للشعب حسن اختيار ممثليه ومحاسبتهم في صناديق الإقتراع لاحقاً.
- تفعيل دور مجلس النواب في عملية إعداد ومناقشة و إقرارالموازنة العامة بالإضافة إلى تفعيل هذه الرقابة خلال تنفيذ الموازنة، والرقابة المؤخرة المتمثلة بعملية قطع الحساب اي إعداد حساب نهائي بالواردات وبالنفقات التي نفذت فعليا ضمن إطار تنفيذ الموازنة ليتم عرضه على السلطة التشريعية للمصادقة عليه.و تعزيز قدرة النوّاب على القيام بمهامهم الرقابية سواء كانت في مناقشة الموازنات أوقطع الحسابات أواستجواب المسؤولين الإداريين.
- تطوير وتفعيل عمل اللجان النيابية بحيث تكون لديها سلطة حقيقية لإحالة قضايا الفساد التي تكشفها الأجهزة الرقابية والتي تعرضها في تقاريرها المقدمة للجنة، إلى القضاء مباشرة. كما ينبغي أن تكون لديها سلطة استجواب رئيس الوزراء وأعضاء حكومته وتقديم اقتراحات بشأنهم للمناقشة واتخاذ القرارات في مجلس الشعب، وليس مجرد استيضاح بعض الأمور منهم. كما أن اعتبارات التوثيق والشفافية تستوجب تسجيل الاجتماعات وطباعتها كاملة.
- في ظل تشابك وتوسيع وتعقيد الملفات المالية والاقتصادية والاجتماعية، هناك حاجة إلى قيام هيئات تتمتع بالكفاءات والخبرات والطاقات البشرية والتي يجب أن تكون إلى جانب البرلمان، لتكون قادرة على تزويد أعضاء البرلمان بالمعلومات والتقارير، كي يتمكن هذا العضو البرلماني من تحسين ممارسة دوره التشريعي والرقابي، كي يكون أكثر فعالية وأكثر كفاءة في مستوى مراقبة ومحاسبة الخليّة الكبرى في الدولة، أي السلطة التنفيذية.
رابعاً : في الرقابة القضائية
هناك معضلتين أساسيتين يجب معالجتهما:
- المعضلة الأولى هي تعزيز استقلالية الجهاز القضائي وضرورة احترام التوصيات الصادرة عنه. هذه الاستقلالية يمكن تثبيتها عبر تعزيز وتفعيل صلاحيات مؤسسات القضاء المولجة في الترقيات والتعيينات القضائية والتي يجب أن تكون مستقلّة وبعيدة عن التدخّل السياسي للسلطة التنفيذية.
- أما المعضلة الثانية فهي ضعف القدرات التحليلية للملفات المالية عند الكوادر القضائية. هذا الضعف يمكن تصحيحه عبر دورات تدريبية مكثفة ودورية وبشكل مستدام.