«الضبطية القضائية»: سلاح الحكومة «الفاسد» لمواجهة «الفساد»
صفة الضبطية القضائية.. عبارة كثيراً ما نسمع عنها فى قرارات صادرة بمنح هذه الصفة من وزارة العدل لبعض الموظفين والمسئولين فى الدولة بشكل استثنائى بعيداً عن الفئات التى حدد القانون منحها هذه الصفة، ويكون التعليل فى قرارات منح «الضبطية» بالعزم على الحسم والحزم فى مواجهة التسيب والفساد والخروج على القانون الذى يمارسه بعض موظفى الدولة والمواطنين.
التوسع فيها لم يردع المتاجرين بقوت الغلابة و«عقولهم».. ومنحها لم يضبط الأسواق
ورغم أن المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية حددت مأمورى الضبط القضائى بشكل أصيل، ومنهم أعضاء النيابة العامة ومعاونوها، وضباط الشرطة وأمناؤها والعمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء، ونظّار ووكلاء محطات السكك الحديدية الحكومية، ومفتشو وزارة السياحة، ومديرو الأمن بالمحافظات ومفتشو وزارة الداخلية، ومديرو وضباط إدارة المباحث العامة، ولكن شهدت السنوات الأخيرة توسعاً فى منح الضبطية القضائية للعديد من الموظفين بالوزارات والجهات الحكومية، التى كان آخرها قرار المستشار حسام عبدالرحيم، وزير العدل، بمنح 46 من الأعضاء القانونيين بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى والمديريات التعليمية، صفة مأمورى الضبط القضائى كل فى دائرة اختصاصه، وكان المستشار أحمد الزند، وزير العدل الأسبق، منحها كذلك لـ10 هيئات أخرى.. لذلك قررت «الوطن» محاولة شرح تفاصيل الضبطية القضائية والفئات المحدد منحها هذه الصفة، وتبريرات الفئات الممنوحة هذه الصفة استثناء، وأبعاد الموضوع من الناحية القانونية وفوائده وأضراره التى يعتبرها البعض بمثابة توسيع للقبضة الأمنية كلما توسع منح صفة الضبطية القضائية للموظفين العموم فى الدولة.
مسئولو الحى والصحة والشهر العقارى والصرف الصحى يحملون صفة «مأمور»
حدّدت المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية، مأمورى الضبط القضائى، ومنهم أعضاء النيابة العامة ومعاونوها، وضباط الشرطة وأمناؤها و«الكونستبلات» والمساعدون، ورؤساء نقط الشرطة، والعمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء، ونظّار ووكلاء محطات السكك الحديدية الحكومية، ومفتشو وزراة السياحة، ومديرو الأمن بالمحافظات ومفتشو وزارة الداخلية، ومدير وضباط إدارة المباحث العامة، ورؤساء الأقسام والمكاتب والمفتشون والضباط والكونستبلات، وضباط مصلحة السجون، وشرطة السكك الحديدية والنقل والمواصلات، لكن رغم ذلك شهدت السنوات الأخيرة توسّعاً فى منح الضبطية القضائية للكثير من الموظفين بالوزارات والجهات الحكومية، التى كان آخرها قرار المستشار حسام عبدالرحيم، وزير العدل، منح 46 من الأعضاء القانونيين بوزارتى التربية والتعليم والتعليم الفنى والمديريات التعليمية، صفة مأمورى الضبط القضائى كلٌّ فى دائرة اختصاصه.
وزير العدل منح «الضبطية» لـ46 عضواً بـ«التربية والتعليم».. و«الزند» منحها لـ10 هيئات خلال العام الماضى فى فترة زمنية تقل عن 6 أشهر
وخلال العام الماضى الذى كان يشغل فيه المستشار أحمد الزند وزارة العدل، منحت نحو 10 هيئات فى فترة تقل عن 6 أشهر حق الضبطية القضائية. ويرى البعض أن التوسُّع فى منح الضبطية يزيد من القبضة الأمنية، وتكون له انعكاساته السلبية على المجتمع، بينما يرى آخرون أن الهدف من منح الضبطية القضائية هو مواجهة الفساد والتجاوزات، فى ظل عدم تمكُّن الأجهزة الرقابية من رصد جميع التجاوزات التى تقع داخل الجهات الحكومية، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق -على سبيل المثال- بمواجهة التجاوزات التى تقع داخل قطاعات التعليم والصحة والتموين.
مَن المسئول عن منح الضبطية القضائية؟ وعلى أى أساس يتم منحها؟ وهل تُعد تكريساً للقبضة الأمنية؟.. هذه الأسئلة التى تدور فى أذهان الكثيرين، فسّرتها مصادر قضائية بوزارة العدل، قائلة إن «وزير العدل هو وحده من يملك حق منح الضبطية القضائية، بالاتفاق مع الوزير المختص، وتخويل بعض الموظفين صفة مأمورى الضبط القضائى بالنسبة إلى الجرائم التى تقع فى دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم».
وأضافت المصادر أن جميع النصوص الواردة فى القوانين والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأمورى الضبط القضائى هى قرارات صادرة من وزير العدل، بالاتفاق مع الوزير المختص.
«العدل»: الوزير وحده يملك حق منح «الضبطية» بالاتفاق مع الوزارة المختصة.. و«المأمورون» ملزمون بإثبات جميع إجراءاتهم فى «محاضر»
وأشارت إلى أن وزير العدل ما هو إلا مُنفذ لقانون الإجراءات الجنائية، الذى أجاز له بالاتفاق مع الوزير المختص منح الضبطية القضائية، موضحة أن القانون أوجب على مأمورى الضبط القضائى أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد إليهم بشأن الجرائم، وأن يبعثوا بها فوراً إلى النيابة العامة.
وتابعت: مأمورو الضبط القضائى ملزمون أيضاً بإثبات جميع الإجراءات التى يقومون بها فى محاضر موقّع عليها منهم ومبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصوله.
ولفتت إلى أن القول إن هناك تعسّفاً فى استغلال السلطة الممنوحة لمأمورى الضبط القضائى من الموظفين العموميين، مردود عليه فى نص المادة 22 من قانون الإجراءات الجنائية، التى تنص على أن «جميع مأمورى الضبط القضائى تابعون للنائب العام وخاضعون لإشرافه فى ما يتعلق بأعمال وظيفتهم، كما أن للنائب العام أن يطلب للجهة المختصة النظر فى كل أمر ما تقع منه مخالفات لواجباته أو تقصير فى عمله، وله أن يطلب رفع الدعوى التأديبية عليه».
وأوضحت المصادر أن أبرز الفئات التى صدرت لها قرارات بمنحها الضبطية القضائية هم الأعضاء الفنيون بالجهاز المركزى للمحاسبات، ومسئولون بشركة مياه الشرب والصرف الصحى، وبعض العاملين بوزارة التعليم العالى، وقيادات ومفتشو الأوقاف، وبعض العاملين بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وبعض العاملين بوزارة التموين والتجارة الداخلية، ورؤساء المراكز والمدن بمحافظة الأقصر فى ما يتعلق بجرائم البناء، ومهندسو قطاع حماية الأراضى الزراعية، ورئيس هيئة البترول ونائباه فى ما يتعلق بتهريب السولار، ومهندسو التنظيم بالأحياء، ومفتشو الصحة ومساعدوهم، ومفتشو صحة الأقسام والمراكز، ومراقبو الأغذية، ومفتشو المأكولات، ومدير إدارة السجل التجارى، ووكلاء مفتشى هذه الإدارات، ورؤساء مكاتب السجل التجارى، وخفراء السواحل، وبعض موظفى الجمارك، وأعضاء الرقابة الإدارية (ودورهم قاصر على الجرائم التى يقترفها الموظفون العموميون أثناء مباشرتهم وظائفهم)، والمتحققون من الحالة الاجتماعية للمتهم، وأعضاء مصلحة الشهر العقارى (أمناء المكاتب بالمحافظات ورؤساء المأموريات بالنسبة لجرائم التزوير)، وأعضاء المجلس الأعلى لنقابات المهندسين ورؤساء النقابات الفرعية.
قضاة وقانونيون: منحها للموظفين يساعد الجهات الرقابية على التصدى للمخالفات
أكد قانونيون أن قرارات وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لبعض الموظفين ليست محصّنة، وأنه يجوز الطعن عليها أمام محكمة القضاء الإدارى فى حال التوسُّع فى استخدامها، فالهدف القانونى منها هو التيسير عليهم فى أداء عملهم لكشف التجاوزات، لكن التوسُّع فيها يجعل البعض يسىء استخدامها.
قال المستشار أحمد هارون، رئيس محكمة جنايات القاهرة، إن الضبطية القضائية يتم منحها لبعض الجهات التى تتعلق طبيعة عملها برصد التجاوزات والمخالفات التى تقع داخل تلك الجهة الممنوح لها الضبطية القضائية.
«هارون»: الأجهزة المختصة لا يمكنها المواجهة وحدها.. والنيابة تتصدّى لتجاوزات مأمورى الضبط القضائى.. و«نصر»: لا تُمنح إلا بعد طلب الوزير المختص
وأضاف «هارون» أن الموظف داخل وزارة الصحة أو وزارة التربية والتعليم على سبيل المثال لا يمكنه وقف أى تجاوزات داخل الجهة التى ينتمى إليها إلا إذا حصل على صفة الضبط القضائى بقرار من وزير العدل.
وأشار إلى أن الأجهزة الرقابية لا يمكنها بمفردها مواجهة التجاوزات والمخالفات داخل جميع الجهات، الأمر الذى كان يستلزم وجود تشريع بمنح بعض العاملين والموظفين داخل الجهات التى لها صلة بالجمهور، صفة مأمورى الضبط القضائى، لافتاً إلى أن ذلك لا يتعارَض مع الدور الذى تقوم به الأجهزة الرقابية.
وأوضح رئيس محكمة جنايات القاهرة أن الهدف من الضبطية القضائية هو تفعيل القانون ومواجهة الفساد والتجاوزات التى تقع داخل تلك الجهات، مشيراً إلى أن جميع مأمورى الضبط القضائى يخضعون لتفتيش النيابة العامة، لمواجهة أى تجاوز يقع منهم أو إساءة استغلالهم الضبطية القضائية.
«الفقى»: القانون قسمهم إلى فئتين.. الأولى منحهم ضبط جميع الجرائم والثانية تقتصر على نطاق عملهم.. و«عتيق» يجوز لأى مواطن الطعن على القرار
فيما قال المستشار فريد نصر، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، إن القانون لم يُحدّد على سبيل الحصر الجهات التى لها حق الحصول على الضبطية القضائية، لكنه خوّل لوزير العدل منح العاملين ببعض الجهات التى لها صلة وعلاقة مع الجمهور، صفة مأمورى الضبط القضائى، بالتنسيق مع الوزير المختص، مثل مفتشى الصحة والتموين. وتابع: لا بد أن يتقدّم الوزير المختص بطلب لوزير العدل، لمنح بعض موظفيه صفة مأمورى الضبط القضائى، وبعد دراسته يتم الموافقة أو الرفض من قِبَل وزير العدل، لافتاً إلى أن وزير العدل لا يُمكنه من تلقاء نفسه منح صفة مأمورى الضبط القضائى لأحد، لكنها سلطة تقديرية له فى ضوء مراجعة الطلب المقدّم له من طالبى الحصول على الضبطية القضائية.
وأشار إلى أن الهدف من منح بعض الموظفين صفة مأمورى الضبط القضائى مواجهة التجاوزات والتيسير عليهم فى أداء عملهم، مؤكداً أن هذا الأمر متّبع فى معظم دول العالم وليس قاصراً على مصر فقط.
من جانبه، قال الدكتور عماد الفقى، وكيل كلية الحقوق بجامعة مدينة السادات، إن مأمورى الضبط القضائى مقسّمون إلى فئتين، الأولى هم ذوو الصفة العامة، وهؤلاء أناط بهم قانون الإجراءات الجنائية ضبط الجرائم ومرتكبيها فى أماكن اختصاصهم بالنسبة لجميع الجرائم، والفئة الثانية وهم ذوو الصفة الخاصة، وهؤلاء أناط بهم القانون ضبط الجرائم التى تقع فى مجال وظائفهم، مثل العاملين بالسكة الحديد ومفتشى التموين والصحة.
وأضاف «الفقى» أن القانون أضفى صفة مأمورى الضبط القضائى على بعض الأشخاص لاعتبارات السرعة وتحقيقاً للصالح العام، لأنه ربما لا يكون بمقدور المشرّع أن يحصر جميع مأمورى الضبط القضائى، فترك ذلك الأمر استثناءً لوزير العدل ووفق ضوابط معينة.
وأوضح أن الإسراف فى إضفاء صفة مأمورى الضبط القضائى والتوسُّع فيها، قد يؤدى إلى انحراف الهدف من هذا الاستثناء والإضرار بالمصلحة العامة، لأنه ربما يستغل بعض مأمورى الضبط القضائى سلطاتهم من أجل تحقيق النفع الخاص، وليس النفع العام، مشيراً إلى أن مجلس الدولة اعتبر أن قرارات إضفاء صفة الضبط القضائى التى يمنحها وزير العدل تُعد من قبيل القرارات الإدارية التى تخضع لرقابة القضاء، وسبق لمحكمة القضاء الإدارى بالفعل أن ألغت قرار وزير العدل بمنح صفة مأمورى الضبط القضائى لبعض العسكريين للقبض على المدنيين.
وقال الدكتور السيد عتيق، رئيس قسم القانون الجنائى بجامعة حلوان، إن المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية نصت فى الفقرة الثالثة منها على أنه «يجوز لوزير العدل -بالاتفاق مع الوزير المختص- منح الضبطية القضائية لبعض الموظفين بالنسبة للجرائم التى تقع فى دوائر اختصاصهم، وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم»، وبالتالى فإن المسألة جوازية، وليست إلزامية.
ولفت إلى أن القانون حدّد شروطاً معينة لمنح الموظفين صفة مأمورى الضبط القضائى، مشدداً على أهمية عدم التوسُّع فى منحها، باعتبار أنها استثناء، ولا يجوز التوسُّع فى الاستثناء على حساب الأصل، مدللاً على ذلك بحكم محكمة القضاء الإدارى الذى ألغى قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لبعض الفئات. وأضاف «عتيق» أنه يجوز لأى مواطن صاحب صفة ومصلحة أن يطعن على قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية، مشيراً إلى أن أبرز سلبيات التوسُّع فى منح تلك الصفة هو خلق تمييز بين المواطنين وتفوق بعض الموظفين بسلطات لا يستحقونها.
وقال إن الهدف من الضبطية القضائية هو محاربة الجريمة، لكن التوسُّع فيها يجعل من بعض الموظفين سلطة فوق الجميع.