تعدد الأجهزة الرقابية وتداخل اختصاصاتها فتح ملفات الفساد گان مرهوناً برغبة نظام مبارك

مصرس :
حسين البطراوينشر في الأهالي يوم 02 - 03 - 2011
تعددت الأجهزة الرقابية في مصر، ووصلت إلي أكثر من 36 جهازا رقابيا، ومع ذلك تحولت مصر إلي بؤرة فساد سواء إداريا أو ماليا، واقتصرعمل معظم الجهات الرقابية علي كتابة التقارير دون تحويل هذه المخالفات إلي المحاكمات، إما لوجود ثغرات في قوانين هذه الجهات، والمثال الصارخ لذلك الجهاز المركزي للمحاسبات، أو لعدم الرغبة السياسية في فتح هذه الملفات التي أصبحت مرهونة برغبة النظام أو الاختلاف مع النظام.. الأغرب من ذلك أن بعض القضايا المتعلقة بالفساد رغم وجود الأدلة الدامغة عليها لكن أبطالها قد حصلوا علي البراءة كنتيجة لخطأ الإجراءات.. ومنذ بداية ثورة 25 يناير، وبعد تخلي الرئيس مبارك عن السلطة، تم فتح العديد من ملفات الفساد القديمة، وتم تخصيص أرقام تليفونات للإبلاغ عن الفساد، وكأن هذا الفساد سواء المالي أو الإداري قد تم الكشف عنه الآن، رغم التقاير الرقابية العديدة، وما نشرته الصحف عبر السنوات الماضية، فالمستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قال إنه قدم ألف تقرير رقابي إلي مؤسسة الرئاسة ومجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين والرقابة الإدارية لتتبع المخالفات المرتبطة بالأفراد،وهو إجراء روتيني يتبعه الجهاز، ولكن رئيس الجهاز أكد أنه ليس بيده عصا ليحرك به الجهات الأخري للقبض علي الفاسدين.
بعد أن كانت هذه التقارير تأخذ طريقها إلي الأدراج دون النظر إليها، باعتبارها إجراءات روتينية، تطلب الآن الدولة تزويدها بهذه التقارير لفتح الملفات، بل تعيد التحقيق في بعض القضايا التي تم تحويلها إلي القضاء وصدور حكم فيها، ومازالت أمام القضاء بدرجاته المختلفة.
وتكشف الوقفات الاحتجاجية لعدد من أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات القصور في الجهاز وقدموا مذكرة إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لمعالجة أوجه القصور، تتضمن هذه المطالب أن ينص الدستور علي أن الجهاز المركزي للمحاسبات هيئة رقابية مستقلة تختص بالرقابة علي أموال الدولة.. وإنشاء محكمة محاسبات تختص بمحاكمة المسئولين عن المخالفات التي تكشفت للجهاز كما هو معمول به في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والمغرب والجزائر وتونس والعديد من الدول، وأن يتضمن الدستور نصاً بأحقية الجهاز في احالة المخالفات التي تتكشف له إلي جهات التحقيق ممثلة في النيابة العامة أو الإدارية بحسب الأحوال.
وأرجعت المذكرة عجز الجهاز المركزي للمحاسبات عن التصدي لوقائع الفساد إلي قصور قانون الجهاز بعدم احتوائه علي النصوص التي تكفل تنفيذ توصيات الجهاز فيما يتكشف له من مخالفات بالجهات الخاضعة لرقابته وبعدم احتوائه علي النصوص التي تتيح للجهاز الحق في تقديم المسئولين في تلك المخالفات إلي العدالة.
وطالبوا بتشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث أسباب فشل الجهاز المركزي للمحاسبات في مواجهة الفساد حتي انتشر بشكل غير مسبوق في العشر سنوات الماضية، مما أدي إلي نهب ثروات البلاد.
وفي دراسة مركز العقد الاجتماعي بعنوان "الإطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الفساد الإداري في مصر" أشارت إلي أن تعدد الأجهزة الرقابية وتداخل اختصاصاتها يؤثر علي مواجهة الفساد الإداري ويمثل إهدارا للوقت والمال العام، ويسبب تناقضات لا حصر لها، وافتقار بعض أعضاء الأجهزة الرقابية إلي الحصانات الكافية للقيام بدورهم الرقابي، وكل جهة من الجهات الرقابية تمارس رقابتها دون التنسيق مع الجهات الأخري، وعدم إعطاء الجهاز المركزي للمحاسبات الحق في الإحالة إلي المحاكمة المباشرة في حال المخالفات، يعد من أهم المعوقات أمامه لمكافحة الفساد، وبعض الجهات الحكومية أصبحت عائلات بسبب الواسطة في التعيينات، والرقابة البرلمانية ليست فاعلة بشكل جدي في مواجهة الفساد الإداري. ويؤدي الفساد إلي ضعف الثقة في الحكومة، وعدم استقرار سياسي واجتماعي وانتشار للفوضي.
وأكدت الدراسة أن مشكلة تعدد الأجهزة الرقابية وتداخل اختصاصاتها يؤثر علي مواجهة الفساد الإداري في مصر، ومن أهم هذه الجهات الجهاز المركزي للمحاسبات، والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وهيئة الرقابة الإدارية، والنيابة الإدارية، والإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة بوزارة الداخلية، وإدارتا الكسب غير المشروع وغسل الأموال بوزارة العدل، والنيابة العامة ونيابة الأموال العامة.كما أن تبعية جميع الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية قد يؤثر علي استقلاليتها باعتبار أن السلطة التنفيذية سوف تكون هي المراقب والمراقب عليه.
وأكدت الدراسة أن الأجهزة الرقابية تتعامل مع الجهات التي تقوم بالرقابة عليها دون تنسيق، وأن الموظفين يكادون يتفرغون لإعداد البيانات والإحصائيات اللازمة لتلك الأجهزة الرقابية منصرفين عن الدور الأساسي في زيادة الإنتاج.
وكشفت الدراسة عن تداخل في الاختصاصات بين الأجهزة الرقابية يؤثر علي دورها في مكافحة الفساد، وهو ما يمثل إهدارا للوقت والمال العام، فمثلا الجهاز المركزي للمحاسبات يتداخل وفي مجال الرقابة المالية مع وزارة المالية علي الأنشطة ذاتها، ومن الطبيعي أن يسفر هذا التكرار عن "تناقضات" لا حصر لها.
وأشارت الدراسة إلي أن وجود بعض المعوقات تواجه الأجهزة الرقابية في أداء عملها مثل الجهاز المركزي للمحاسبات خاصة فيما يتعلق بحماية المال العام ومواجهة الفساد الإداري، مثل عدم إعطائه الحق في الإحالة إلي المحاكمة مباشرة في حالة اكتشاف مخالفات لم تستطع الجهة الإدارية تبريرها، والسرية المفروضة علي تقاريره من قبل الحكومة، وعدم إعطاء أهمية لمناقشة هذه التقارير.
أما عن الرقابة البرلمانية فتؤكد الدراسة عدم فاعليتها بشكل جدي في مواجهة الفساد الإداري"، وأرجعت ذلك إلي ضعف التكوين العلمي وعدم التخصص المهني لأغلبية أعضاء البرلمان في المجالات الرقابية، كما أن النشاط الرقابي للبرلمان يعد ثانويا، إلي جانب الوظيفة التشريعية، واستناد الحكومة إلي أغلبية كبيرة في البرلمان يجعلها في حماية من أي استجوابات أو اتهامات.
أكدت الدراسة أن استفحال الفساد الإداري لا يرجع إلي ضعف النصوص الجنائية، ولكن في أغلب الأحوال يرجع إلي عدم مراعاة بعض الأجهزة الرقابية للإجراءات الجنائية، مما يخلق ثغرات ينفذ منها المتهم من العقوبة، وانتقدت الدراسة طول الفترة الزمنية التي يستغرقها التحقيق والمحاكمة في جرائم الفساد الإداري، مما يضعف من قوة الردع، ويحدث كثيرًا أن يهرب البعض إلي الخارج قبل المحاكمة.. أشارت الدراسة إلي أن شدة العقوبات في جرائم الرشوة واختلاس المال العام لم تمنع انتشارها، مما يتطلب تفعيل النصوص القانونية. فضلا عن هذه النصوص لم تتضمن أي ضمانات أو حوافز للمبلغين والشهود في القضايا المتعلقة بالفساد، وهو ما وصفته الدراسة ب"القصور" الذي يجب تداركه من قبل المشرع المصري.